مع وجود وسائل التّواصل الاجتماعيّ المتطوّرة اليوم، وما عكسته على العلاقات الإنسانيّة في مختلف النّواحي، يُثار سؤال من البعض حول صحّة إجراء عقد الزّواج المنقطع أو الدائم بواسطة الكتابة عن طريق رسالة نصّيّة أو الواتسآب، أو عن طريق الهاتف، فما رأي الشّرع في ذلك؟
المشهور بين الفقهاء أنَّ عقد الزواج هو عقد لا بدّ من أن يكون لفظياً، ويقول العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله(رض) حول هذه النّقطة: "لا ينعقد عقد الزواج بين الرجل والمرأة ـ البتّة ـ بالفعل المصطلح عليه بـ"المعاطاة"، بل لا بدَّ من التعاقد اللفظي الدال على الرضا من كلّ منهما بالزواج من الآخر، مع قدرتهما على النّطق، أو بما يقوم مقام اللفظ من كتابة أو إشارة من العاجز عن النطق". [أحكام الشريعة، ص 469].
وإذا كان الطّرفان يعرفان بعضهما البعض جيداً، من خلال ذكر صفتيهما ومعرفة صوتيهما مليّاً، فلا مشكلة في إجراء عقد النكاح (الزواج) عبر الهاتف، يقول السيّد فضل الله(رض): "لا إشكال في إجراء عقد النكاح بواسطة الهاتف إذا كانا يعرفان بعضهما البعض، ويؤكّدان صفتيهما، فيمكن للزوجة أن تنشئ عقد الزواج، ويمكن للزوج أن يقبل ذلك، وليس هنالك فرق بين إجراء عقد الزواج بطريقة الهاتف أو بإجراء عقد الزواج بشكل مباشر". [كتاب الندوة، ج 1، ص 747].
وفي السياق نفسه، سُئِلَ سماحته عن إجراء عقد الزواج على الهاتف، وبدون شهود؟ فأجاب: "لا يشترط وجود الشهود، ويمكن عندئذ إجراء العقد بواسطة الهاتف إذا كان كلّ منهما يعرف صوت الآخر، وأنه هو المقصود بالعقد، ولكننا ننصح بأن تحتاط المرأة لنفسها بإيجاد وسائل للإثبات، من أجل إلحاق الولد بأبيه ـ لو حدث هناك حمل ـ أو حماية نفسها من النتائج السّلبيّة الاجتماعيّة للعلاقة".[المسائل الفقهية ـ المعاملات، ص 513].
وقد يسأل البعض عن جواز العقد الدائم أو المنقطع عبر الوسائل الإلكترونيَّة، والجواب: "لا يجوز إجراء عقد الزواج الدائم أو المنقطع عبر الواتسآب، أو إرسال رسالة نصّية، بل لا بدَّ من أن يكون لفظياً من الطّرفين بشكل مباشر، أو عبر مكالمة هاتفيَّة إذا كان كلّ منهما يعرف صوت الآخر".[المكتب الشرعي، مؤسَّسة المرجع السيّد فضل الله(رض)].
وعن صحّة إبرام عقد الزواج عبر وسائل الاتصال الحديثة، مثل الهاتف أو الإنترنت، يقول السيد الخوئي إنّه "لا بأس بالتزوّج عبر الاتصال الهاتفيّ أو الإنترنت، مع استماع الزوجين إلى العقد الشّرعيّ، وإذن الولي في البنت البكر". [مؤسَّسة الخوئي الإسلاميّة].
وعند أهل السنّة والجماعة، اختلف أهل العلم في إجراء عقد النّكاح بالوسائل الحديثة كالهاتف والإنترنت، فمنهم من منع ذلك لعدم وجود الشّهادة، مع التّسليم بأن وجود شخصين على الهاتف في الوقت نفسه، له حكم المجلس الواحد، ومنهم من منع ذلك احتياطاً، لأنه يمكن أن يقلّد الصّوت ويحصل الخداع، ومنهم من جوّز ذلك إذا أُمِنَ التّلاعب والتّدليس.
*إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضَّرورة عن رأي الموقع، وإنَّما عن وجهة نظر صاحبها.