الوضوء طهارة مائيَّة مشروطة لأداء بعض العبادات، وأهمّها الصَّلاة اليوميَّة الواجبة وغيرها، أداءً وقضاءً؛ قضاءً عن النَّفس أو الغير، كذلك صلاة الاحتياط، وقضاء الأجزاء المنسيَّة كالتشهّد والسّجدة، وكذلك الأمر في الصّلاة المستحبَّة، وطواف الحجّ والعمرة، سواء كانا واجبين أو مستحبّيْن، وقد يجب الوضوء لنفسه بالعارض، كما إذا نذر أو حلف أن يبقى على طهارةٍ طوال حياته أو في فترة معيّنة، فيجب الوضوء وفاءً للنّذر، وقد يجب مقدّمةً لواجب آخر،كما في صورة توقُّف إخراج مصحف من النّجاسة على مسِّ كلماته.
وقد يطرأ الشّكّ في القيام بالوضوء أو في بعض شروطه وأجزائه، فبيّن الشرّع الحنيف أحكام هذا الشّكّ وما على المكلّف القيام به في هذه الأحوال.. فقد يكون المكلّف محدثاً (خرج منه بول، أو غائط، أو ريح، أو مني، أو حصل معه إغماء، أو غلب عليه النّوم، أو حصل مع المرأة استحاضة صغرى)، فهذه عوارض تصيب المكلّف، ويشكّ في أصل صدور الوضوء عنه، فماذا يفعل عندها؟
حول ذلك وما يتَّصل بالمسألة من تفريعات، يوضح سماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(رض) التالي:
"أ ـ أن يكون المكلّف محدثاً، ويشكّ في أصل صدور الوضوء عنه، فيبني على الحالة السّابقة، وهي كونه محدثاً.
ب ـ أن يتيقَّن الوضوء، ويتيقَّن أنّه قد أحدث، ولكنّه لا يعرف أيّهما قبل الآخر، فهنا عليه أن يتوضَّأ من جديد.
ج ـ أن يتيقَّن الوضوء، ويشكّ في صدور الحدث عنه، فيبني على الحالة السّابقة، وهي كونه على وضوء.
د ـ أن يتيقَّن الوضوء، ويشكّ في شيء من أفعاله، وحكمه يختلف على نحوين:
الأوّل: أن يكون الشّكّ في أصل غسل عضو من الأعضاء، وهو على صورتين:
أ ـ أن يقع الشّكّ بعد الفراغ من الوضوء بالكامل، فهنا يصحّ وضوؤه ولا شيء عليه، إلا أن يكون العضو المشكوك فيه هو الأخير، أي: مسح الرِّجل اليسرى، فإنَّ عليه أن يعتني به إن لم تفُت الموالاة، أو لم يكن قد دخل في الصَّلاة التالية أو الأذان أو الإقامة لها على الأقلّ، فإن فاتت الموالاة، أو كان قد دخل في الصّلاة أو الأذان أو الإقامة لها، فلا يعتني بشكّه.
ب ـ أن يقع أثناء الوضوء، كمن شكّ في غسل وجهه، وهو يغسل اليد اليمنى، فضلاً عمّا إذا لم يبدأ بها بعد، فعليه أن يرجع ويغسل العضو المشكوك، ثم يغسل ما بعده محافظاً على الترتيب الواجب.
الثاني: أن يتيقَّن غسل العضو، ولكنّه يشكل في صحّة الغسل أو المسح بعد الفراغ منه مباشرةً، أو بعد الدّخول في غسل أو مسح الجزء الّذي بعده، فلا يضرّه هذا الشكّ، ويعتبر أنّ عمله السّابق صحيح ويمضي في وضوئه".[كتاب أحكام الشّريعة، ص 41، 42].
ويجب إعادة الوضوء واستئنافه من جديد فيما لو أحدث المكلَّف أثناء الوضوء.
ويصادف أن يكون المكلّف كثير الشّكّ في وضوئه، فهل عليه إعادة الوضوء كلّما شكَّ في ذلك؟
الجواب: "عليه البناء على الصّحَّة، وعدم الاعتناء بشكّه، والاكتفاء بالوضوء مرّة واحدة، والإتيان بالصّلاة بالشكل الطّبيعيّ من دون تكرار وإطالة، كما يتوضّأ أهل الشرع ويصلّون، مع ملاحظة أنه لا يجوز قطع الصّلاة في حال الشّكّ في الوضوء أثناءها، لأنَّ الوضوء والصلاة محكومان بالصّحّة".[المسائل الفقهية، العبادات، ص 109].
وعند بعض العلماء من أهل السنّة والجماعة، أنَّ الشّكّ في الطّهارة على نوعين:
1 ـ شكّ في وجودها بعد تحقّق الحدث.
2 ـ شكّ في زوالها بعد تحقّق الطهارة.
الأوّل: وهو الشّكّ في وجودها بعد تحقّق الحدث، كأن يشكَّ الإنسان هل توضّأ بعد حدثه أم لم يتوضّأ؟ ففي هذه الحال يبني على الأصل، وهو أنّه لم يتوضّأ، ويجب عليه الوضوء.
الثّاني: وهو الشّكّ في زوال الطّهارة بعد وجودها، فإنّنا نقول: ابنِ على الأصل أيضاً ولا تعتبر نفسك محدثاً، ولا يلزمك الوضوء حينئذٍ، وذلك لأنَّ الأصل بقاء ما كان على ما كان عليه.
وأمّا الشّكّ في فعل أجزاء الطّهارة، مثل أن يشكّ الإنسان هل غسل وجهه في وضوئه أم لا؟ وهل غسل يديه أم لا؟ وما أشبه ذلك، فهذا لا يخلو من أحوال:
الحال الأولى: أن يكون مجرّد وهم، فلا يهتمّ به ولا يلتفت إليه.
الحال الثّانية: أن يكون كثير الشّكّ أثناء الوضوء، هنا لا يلتفت إلى الشَّكّ ولا يهتمّ به.
الحال الثّالثة: أن يقع الشّكّ بعد فراغه من الوضوء، فهذا أيضاً لا يلتفت إليه، إلا إذا تيقَّن أنه لم يغسل ذلك العضو المشكوك فيه، فيبني على يقينه.
الحال الرّابعة: أن يكون شكّاً حقيقيّاً وليس من قبيل كثير الشّكّ، فإن ترجّح عنده أنّه غسل العضو اكتفى بذلك، وإن لم يترجَّح عنده أنّه غسله، وجب عليه أن يغسله وما بعده، وإنما أوجبنا عليه أن يغسل ما بعده مع أنّه قد غسل، من أجل الترتيب، لأنَّ الترتيب بين أعضاء الوضوء واجب...[موقع طريق الإسلام ـ الفتاوى].