خبر..
ليس من السّهل أن تتبوّأ امرأة مركزاً قضائيّاً في العالم العربي، وخصوصاً في مجال القضاء الشرعي الّذي يهيمن عليه الذّكور. القاضي الشّرعي خلود الفقيه كسرت حاجز المألوف، لتصبح أوّل امرأة فلسطينيّة تتولّى هذا المنصب.
خلود الفقيه، أوّل قاضي شرعي في المحاكم الفلسطينيّة، احتلّت المركز العاشر في قائمة أقوى مائة امرأة عربيّة للعام 2012، الّتي تصدرها مجلّة "أرابيان بيزنس".
وتقول في تصريحٍ لها منذ بداية مرحلة التّدريب للحصول على إجازة المحاماة: "لاحظت أنّ لا مكان للمرأة في القضاء الشّرعي، على خلاف القضاء النّظامي الّذي بدأت المرأة الفلسطينيّة بتوليه في الثّمانينيات. وكان سؤالي المتكرّر في حينها: لماذا لا تتولّى المرأة منصب القضاء الشّرعي في فلسطين، ولا سيّما أنّ قانون تشكيل المحاكم الشرعيّة الأردني، الّذي نحتكم إليه في الضفّة الغربيّة، لا يمنع وجود نساء في هذا المجال؟ أمّا من النّاحية الشرعيّة، فقد كان الأمر مثار خلاف فقهيّ بين علماء الشّريعة، فمنهم من أجاز ومنهم من منع.
وبعد أن أجريت دراسة قانونيّة وشرعيّة حول الموضوع، خلصت إلى نتيجة أنّه لا يوجد أيّ مبرّر لعدم تواجد المرأة في حقل القضاء الشّرعي، وهو ما زاد الإصرار عندي، فتقدّمت بطلب أوّل مرّة إلى المسابقة القضائيّة، الّتي يتمّ اختيار القضاة الشرعيّين خلالها، في العام 2004، ولكن كوني كنت في وضع ولادة، لم أتقدّم في الموعد المحدّد، ولهذا تم استبعاد طلبي في تلك الفترة. وفي العام 2008، عندما أعلن عن المسابقة مجدّداً، تقدّمت بأوراقي مرّةً ثانية خلال الموعد المحدّد، ونجحت في المسابقة بامتياز".
وأضافت: "كانت ردود الفعل متفاوتة على مستوى القضاة، فمنهم مَنْ تقبّل الفكرة ودعمها بقوّة، ومنهم من رفضها لاعتبارات مختلفة، أغلبها اجتماعيّة وذكوريّة، حتى وصل الحدّ لدى بعضهم إلى محاولات إعاقة عملي، من خلال إعطائي استشارات خاطئة عند التّشاور حول بعض القضايا. ولكن على مستوى عامّة النّاس، كانت الفكرة أيضاً مستغربة في بدايتها، فمنهم من رفض التّقاضي أمامي...".
وتعليق..
إنّ موضوع تولّي المرأة منصب القضاء، كان ولايزال مدار بحث ونظر بين العلماء، بالنّظر إلى حساسيّة هذا المنصب والشّروط والمؤهّلات المطلوبة في شخص المتصدّي لهذا الموقع المهمّ الّذي يحاول الفصل بين النّاس وإحقاق الحقّ.
وحول هذا الموضوع، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض): لا يوجد إلا حديث واحد يستدلّ منه على عدم مشروعيّة تولّي المرأة القضاء، وهو "ولا تولّى المرأة القضاء"، وهو حديث ضعيف، يحاول البعض تدعيمه بمسألة اقتضاء وجود شهادة امرأتين مقابل شهادة رجل واحد، والاستدلال على الحرمة من ذلك. ولكنّ مسألة الشّهادة هذه لا تدلّ على حرمة تولّي المرأة القضاء، فمسألة تولّي القضاء ـ في الفقه الإسلاميّ ـ ليست من القضايا المحسومة سلباً، على صعيدي الاستدلال والفتوى، ما يجعل الباب مفتوحاً ـ فقهيّاً ـ للرّأي الآخر.[تأمّلات إسلاميّة حول المرأة، ص: 123].
وفي موضعٍ آخر يقول: إنّ مسألة تولّي القضاء وردت فيها نصوص خاصّة، والحكم هنا لا يتّصل بقياس الموضوع على عدم قبول شهادتها مثلاً في الحدود أو في الدّماء، وما أشبه ذلك، ولكن هناك فقهاء - ونحن منهم - يتحفّظون حول سند الأحاديث الّتي تقول: "لا تولّى المرأة القضاء"، إلى جانب أنّ القضاء الآن يختلف عن القضاء سابقاً، لأنّ القضاء كان في السّابق ينطلق من خلال القاضي فحسب، أمّا مع تطوّر أصول الإثبات في القضاء، فإنّ القاضي لا يملك الحريّة الكبيرة في النّظرة إلى الدّعوة، أو إلى إعطاء الحكم فيها، بل إنّ هناك أوضاعاً إداريّة جديدة تجعل القاضي يخضع لضوابط أكثر دقّة في مسألة القضاء، وربما يتحفّظ بعض الفقهاء في اعتبار أنّ مسألة القضاء سابقاً تختلف عن مسألة القضاء الآن، ما قد يجعل السّلب في المسألة بحسب الأحاديث السّابقة، يختلف عن الإيجاب في هذا المجال، ولهذا فإنّ المسألة محلّ نظر.
(من كتاب "الاجتهاد بين أسر الماضي وآفاق المستقبل"، ص 378).