خبر..
أمرت وزارة الثّقافة والإعلام السعوديّة في مذكّرة صادرة عنها، المؤسَّسات الإعلاميَّة في البلاد، بعدم نشر الأحكام الشّرعيّة والفتاوى الصّادرة عن أيّ دعاة شرعيّين أو غير شرعيّين لا ينتمون إلى هيئة كبار العلماء.
ويرى عدد من العلماء الشّرعيّين أنّ القرار يهدف إلى تنظيم الفتاوى، وليس الهيمنة عليها، والقضاء على ما عُرف بـ"فتاوى السّوق السّوداء"، وذلك بعد انتشار الكثير من الفتاوى الّتي وصفوها بأنّها "شاذّة".
وفي حين ترى وزارة الثّقافة والإعلام السعوديّة، أنّه في خضمّ هذا السّيل العارم من الفتاوى الّتي تشيع البلبلة والفوضى بين النّاس، أصبح من الضّروريّ وضع نظام يقنّن تلك الممارسة وينظّمها.
ويرى بعض العلماء والكُتَّاب والنَّاشطين على مواقع الإنترنت في هذا القرار حجراً على الآراء، ومنعاً للفكر، وسدّاً لباب الخلاف، وهيمنةً على الفتوى، وتسييساً لها، لأنّه يقتصر على جهة تمثّل تيّاراً معيّناً على حساب تيّارات أخرى. ويضيف هؤلاء أنَّ الأصل في الفتوى ألا تقيَّد بقيود، ولا تخضع لتنظيم أو تقنين، ولا تسند إلى أشخاص بالتَّعيين من قبل السّلطة، بل شأنها أن تبقى مرسلة وحقّاً في كلّ من يمتلك القدرة على الإفتاء الشّرعيّ.
وقد تحوَّل إصدار الفتاوى في العالم العربيّ إلى فوضى عارمة، ولا سيَّما بعد موجة الثّورات والانتفاضات الّتي شهدتها دولة عربيّة عدّة. وأثارت هذه الظّاهرة جدلاً واسعاً بين التيّارات والأحزاب والتّنظيمات السياسيّة في كلٍّ من مصر واليمن وتونس وليبيا وسوريا. وبدت بعض تلك الفتاوى في غاية التطرّف أحياناً، والغرابة أحياناً أخرى.
وازدهرت "سوق" إصدار الفتاوى أيضاً بفضل ثورة الاتّصالات وشيوع الإعلام الفضائيّ، فقد ازدحمت عشرات الفضائيّات بمئات الدّعاة ورجال الدّين الّذين اتّخذ بعضهم قنوات خاصَّة بهم،وراحوا يتنافسون في تقديم الآراء والنّصائح في شؤون الشّرع والدّين، حتّى بدا الأمر من دون قيود في كثير من الأحيان.
وتعليق..
إنّ الفتاوى من المسائل الدّقيقة والحسّاسة الّتي تمسّ حياة النّاس في كلّ تفاصيل حياتهم الخاصّة والعامّة، وهي تهدف في الأساس إلى تنظيم أمورهم وفق روح الشّريعة الّتي تحفظ مصالح العباد والبلاد، لذا فإنّ التصدّي للفتاوى يتطلّب الدقّة العلميّة والاجتهاد العميق في فهم واقع الحال، والتصدّي له بما تقتضيه المصلحة العامّة الّتي تراعي كلّ الجوانب.
وتعليقاً على الخبر، أفادنا المكتب الشّرعي في مؤسّسة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) بما يلي:
ليس صحيحاً أنّ كلَّ أحد يستطيع إصدار الفتوى، الفتوى ليست رأياً حول فكرة ما ، أو وجهة نظر، الفتوى هي حكم شرعيّ مَنْ ينطق بها يدَّعي أنّ هذا هو حكم الله، لذلك الفتوى لها أهلها، ومن ليس من أهلها لا يجوز له الفتوى ونسبة هذا الحكم إلى الله تعالى.
أهل الفتوى هم أهل الاجتهاد الّذين يملكون القدرة على النّظر في الأدلة الشّرعيّة من الكتاب والسنَّة.
هذه الفوضى من الفتاوى الّتي نسمع بها من هنا وهناك، أساءت أو تسيء إلى الهدف الحقيقيّ من الفتوى، لأنَّ الفتوى عبارة عن قانون، الهدف منه تنظيم شؤون النَّاس، ولا سيَّما أنَّ هناك أموراً تصدر بحقّها فتاوى ليس لها من مبرّر واضح، طبعاً إذا صحَّ أنّ هذه الفتاوى قد صدرت فعلاً. وضبط هذه الفتاوى أمر ضروريّ، حتَّى نخرج من هذه الفوضى العارمة الّتي استفحلت، إضافةً إلى أنَّ أحداً لا يملك أهليَّة الإفتاء بإطلاق الفتاوى يميناً وشمالاً من دون أيِّ وازع وقراءة دقيقة للواقع. وبغضِّ النَّظر عن مسألة تقنين الفتاوى وحصرها في جهة معيَّنة قد تكون تابعة لجهة ما، وقد يكون هذا صحيحاً، لكن هذا يبقى أفضل من الفوضى القائمة الآن في الفتاوى، وهذا يجب أن يكون حافزاً للمذاهب الإسلاميّة المعروفة بأن تحصر صدور الفتاوى بأهل الاجتهاد والرّأي عندها، ولا تسمح لكلّ أحد بأن يكون مفتياً.