خبر..
في محاضرةٍ له، رأى إعلاميّ وباحث سعودي، أنّ هناك شبه اتّفاق بين أغلب المؤرّخين على أنّ بداية الحياة البشريّة لا ترتبط بآدم(ع)، وبالتّالي، فهو ليس أبا البشريَّة، بل أبا الإنسان بتركيبته وتكوينه الحاليّ، منذ هبوطه على هذا الكوكب، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وقال في محاضرته في "نادي أبها الأدبي"، إنَّ آدم أبو الإنسان وليس أبا البشريّة، والخلاف قائم حول أسبقيّة آدم من البشر بعد هبوطه للأرض، ويذهب كبار المؤرّخين إلى أنّ آدم أتى بعد سلالات بشريّة، ومنهم ابن الأثير والطبري، والمقريزي الّذي أنشأ مدرسة التّاريخ… وهيرودوت، واللاهوتي الشّهير كلارك… وركّز على هذه الجدليّة المؤرّخ المصري الجبرتي، وهو من أصل حبشيّ، بل حتّى زغلول النجّار دخل في جدليّة واسعة النّطاق مع عبد الصبور شاهين، وبالتالي، فإنّ الأغلبيّة يشيرون إلى نشأة الحياة البشريّة على كوكب الأرض قبل آدم (ع) بملايين السّنين.
وشدّد المحاضر على أنّ هذه أمور جدليّة، مؤكّدًا أنّ القرآن الكريم حدّد وظائف الإنسان في الأرض، وهذا يكفي, مضيفاً بأنّ آدم(ع) هبط إلى كوكب الأرض، فكانت بداية جديدة للإنسان بخصائصه الحاليّة، وأوّل ذرّيته هابيل وقابيل، وبعد ذلك ظهر النبيّ نوح، والّذي كان له أربعة أبناء. وقال إنّ الّذي يجب أن ننطلق منه في هذا السّرد والتتبّع التاريخيّ، هو كلام صفوة البشر محمّد(ص)، الذي يشير إلى إنّ للنبيّ نوح(ع) أربعة أبناء من الذّكور، هم: (يافث - سام - حام - كنعان)، وهذا الأخير هو الّذي لجأ إلى الجبل ليعصمه من الماء فكان من المغرقين، أمّا الثّلاثة الباقون، فإنّ كلّ من على وجه هذه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم، ينسبون إلى أولاد نوح الثّلاثة الباقين( سام وحام ويافث).
وتعليق..
يرى البعض أنّ هذه القضايا قد لا يكون لها الأثر الكبير من النّاحية المعرفيّة والتاريخيّة، لأنّها تبقى خاضعةً للجدال والنّقاش الّذي لا يصل إلى حدّ القطع واليقين، وهناك العديد من الآراء العلميّة والتفسيريّة والدينيّة حول هذه النّقطة الّتي تظلّ مفتوحة على كلّ الاجتهادات والتفسيرات الّتي لا يفترض أن تتحوّل إلى مثار للنزاع والجدال العقيم.
وفي معرض جوابه عن سؤالٍ متعلّق بالموضوع وما يتّصل به، يقول سماحة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض):
هناك نقطتان في هذه المسألة، فمن قال إنّ تاريخ آدم هو ستّة آلاف سنة، كان ذلك مما أخذ من تاريخ اليهود الّذي يكثر فيه الدسّ، وهذا غير ثابت تاريخيّاً، إذ ليس عندنا تاريخ بشكل استقرائيّ يمثّل الحقيقة، حتّى نستطيع أن نطمئنّ إليه بشكل استقرائيّ يمثّل الحقيقة بما نستطيع أن نحكم به بشكل جازم.
والنّقطة الثّانية، هي أنّ القوانين العلميّة التي تقدّر السنين من خلال طبقات الأرض أو من خلال طبيعة الجمجمة أو ما أشبه ذلك، ليست قطعيّة، بل هي ظنيّة ومجرّد نظريات، ولذلك فإنّه عندما تثبت عندنا حقيقة دينيّة قطعيّة، فلا نستطيع أن نرفع عنها اليد بالنظريّة العلميّة، فالنظريّة العلميّة هي شيء والحقيقة هي شيء آخر. وذلك أنّ الحقيقة العلميّة هي مثل (1+1=2)، أمّا النظريّة العلميّة، فإنّها تعتمد على استقراء ناقص، والاستقراء النّاقص لا يفيد إلا الظنّ، ثم إنّ عندنا بعض الأحاديث المرويّة عن الإمام الصّادق(ع) ـ إذا صحّت ـ تقول: "قبل آدمكم ألف ألف آدم وأنتم في آخر الآدميّين"، ما يعني أنّ هناك مخلوقات مشابهة للبشر سبقت خلق آدم، ما حمل بعض المفسّرين على التّساؤل حول معرفة الملائكة بطبيعة البشر {وإذ قال ربّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدّماء}[البقرة:30]. فالقضيّة ليست محسومة، لا في الجانب العلميّ، ولا في الجانب التّاريخيّ.[فكر وثقافة، العدد190].