[ورد في دعاء "مكارم الأخلاق" للإمام زين العابدين (ع):]
"اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِه، وأَلْبِسْني زينَةَ الْمُتَّقِينَ... في كَظْمِ الْغَيظِ وَإطْفَاءِ النَّائِرَةِ...".
يا ربّ، اجعلني الإنسان الذي يعيش في داخل وجدانه الانفعاليّ الهدوء الروحيّ، والاتّزان النفسيّ، في سيطرته على حركته العمليّة في إدارة العلاقات بين النّاس المتّصلة بخصوصيّاتي أو خصوصيّات الناس الذي يرتبطون بي وبمسؤوليّاتي، لأستطيع إخضاع مشاعري للخطّ الإنسانيّ الذي يتحرّك في خطّ الرّسالات، فأحبس انفعالاتي في ثورة الغيظ الدّاخلي من خلال إساءات الناس إليّ، حتى لا يقودني ذلك إلى الخطأ في الشّعور وفي الحسابات وفي النّتائج في الفورة الدخانيّة الشّعوريّة الملتهبة، وإلى الوقوع في حبائل الشّيطان الإنسيّ أو الجنيّ الذي يستغلّ حالة اللامعقول في الذّات ليلعب لعبته الشّيطانيّة في إضلالي، أو في إثارة المشاكل الصّغيرة والكبيرة في الواقع.
اجعلني أتخفّف من الغيظ الدّاخليّ الذي يتفجّر في النّفس ليتفجّر في النّاس، ولا تجعل شفاء الغيظ هدفاً كبيراً من أهدافي في الحياة، بل اجعل القضيّة الكبرى لديّ في أعمالي وأقوالي، هي موقعي منك في الحصول على مواقع القرب إليك، واجعل اهتماماتي كلّها في آفاق محبّتك ورضوانك، لأجاهد كلّ انفعالاتي لحساب خطّ التّوازن في خطّ رسالتك، فلا أكتفي بكظم الغيظ ليتحوَّل إلى عقدةٍ مكبوتةٍ في النّفس، بل أنطلق في انفتاحي على الخير الذي تحبّه في العفو عن النّاس الذين أساؤوا إليّ وفي الإحسان إليهم، ليزول كلّ شيء من آثار السلبيّات الوجدانيّة والعمليّة.
سأكظم غيظي - يا ربّ - لأنّي أعرف أنَّك تحبّ الكاظمين الغيظ والعافين عن النّاس وتحبّ المحسنين، وقد جاء في الكلمات المأثورة عن أوليائك ما يثير التّفاصيل حول ذلك.
من ذلك، ما رواه ثقة الإسلام الكليني بسنده إلى الإمام عليِّ بن الحسين (ع) - صاحب الدّعاء - قال: «قال رسول الله (ص): من أحبّ السّبل إلى الله عزّ وجلّ جرعتان؛ جرعة غيظ تردّها بحلم، وجرعة مصيبةٍ تردّها بصبر» .
وعنه (ع)، بسندٍ صحيح أنّه قال: «ما أحبّ أنَّ لي بذل نفسي حُمْرَ النّعم، وما تجرّعت جرعةً أحبّ إليّ من جرعة غيظ لا أكافي بها صاحبها» .
وعن أبي عبد الله جعفر الصّادق (ع) قال: «من كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه، أملأ الله قلبه يوم القيامة رضاه» .
يا ربّ، اجعلني من الّذين يُطفئون نار الفتنة عندما يشعلها النّاس، وذلك بالقضاء على مشاعر العداوة والبغضاء، وبتأكيد المحبّة والرّحمة والخير في الواقع كلّه.
امنحني الروحيّة المفتوحة على الهدوء النفسي الذي يفكّر باتزانٍ ومحبّة، والأسلوب الذي يتحرّك برفق في تخفيف التوترّ المجنون في المشاعر، وهب لي القدرة على أن أثير الأفكار التي تطفئ نار الحقد بروحيّة الرحمة.
* من كتاب "في رحاب دعاء مكارم الأخلاق".