يطالعنا القرآن الكريم بنداءات كثيرة تدعو الإنسان إلى أن يتحمّل المسؤوليّة
المرتبطة بالحياة، على مستوى حركة الرسالة، وعلى مستوى حركة المجتمع، وفي مواجهة
التحدّيات الّتي يمكن أن تنطلق لتحاصر الرّساليّين في أداء رسالتهم، والناس في
حرّيتهم، وفي قضاياهم المصيريّة العامّة.
إنّنا نجد أنّ القرآن الكريم في نداءاته لا يفرّق بين الرّجل والمرأة. وعندما نقرأ
كلّ النداءات التي وردت بعنوان: يا أيّها النّاس، أو بعنوان: يا أيّها الّذين آمنوا،
فإنّنا نفهم منها النّداء الموجّه إلى كلّ الناس، وإلى كلّ المؤمنين، من دون فرق
بين الرّجل والمرأة.
ولعلّنا نستطيع أن نستوحيَ ذلك، ولو من بعيد، في تأكيد القرآن الكريم، عند تعرّضه
للثّواب الذي يعطيه الله تعالى للعاملين في خطِّ الأعمال الصّالحات، فإنّ هناك
تركيزاً في أكثر من آية على تحديد اسم الذّكر والأنثى؛ الأمر الّذي يوحي بأنّ كلّ
ما تصدق عليه صفة عمل صالح، فإنّ المرأة معنيّةٌ به كما الرّجل معنيّ به، وأنّ الله
يثيبها عليه كما يثيب الرّجل على ذلك.
من خلال ذلك نفهم أنّ القضايا العامّة في الإسلام مشتركة بين الرّجل والمرأة في
حركة المسؤوليّة، تبعاً للطاقات التي يملكها هذا الفريق أو ذاك، إلّا ما نصّ عليه
الإسلام. ومن ذلك، الجهاد الذي أعفى المرأة منه، ولكنّه لم يُحرِّمه عليها، بل
ربّما رأينا في أحاديث السّيرة النبويّة أنّ المرأة تقوم بدور في الجهاد. فكان لها
دور المسعفة والممرّضة والسّاقية للعطاشى، وما إلى ذلك من الشّؤون التي تتعلّق
بتلبية حاجات الجهاد والمجاهدين قبل المعركة وأثناءها وبعد انتهائها.
إنّنا نعتبر أنّ المسؤوليّة عامّة، إلّا في ما استثناه الإسلام. ومن ذلك، الأعمال
التي نصّت الشّريعة على أن تخصّ بعضها بالرّجل، كالقضاء والولاية وما إلى ذلك من
الأعمال. نستطيع أن نستوحيَ ذلك ممّا جاء في قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ
وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}[التّوبة: 71]؛ حيث اعتبر الأمر بالمعروف والنّهي عن
المنكر مسؤوليّة النّساء والرّجال معاً.
إنّنا قد نجد تأكيداً لمسألة دور المرأة الأساس في تربية الأطفال، وفي رعاية الزوج،
وفي إدارة الحياة الزوجيّة، ولكن ليس معنى ذلك أنَّ هذا هو دورها الوحيد، فنحن،
مثلاً، في المقابل، قد نلاحظ أنّ الله كلّف الرّجل بأن يؤمِّن قوت عياله، وبأن يسعى
من أجلهم، وبأن يحصِّل الرّزق، وما إلى ذلك. ولكن هذا ليس هو دور الرّجل الوحيد،
كما أنّ دور المرأة أن تكون ربّة البيت ليس هو دورها الوحيد. فللمرأة ساحة واسعة
تستطيع أن تقوم فيها بمسؤوليّاتها، في ما يمكن لها أن تتحمّله من مسؤوليّة، في نطاق
ثقافتها، وفي نطاق طاقتها الاجتماعيّة التي تملكها، بحيث يمكنها أن تصل إلى نتائجَ
كبيرة في ذلك، كما هو دور الرّجل في السّاحة العامّة خارج نطاق مسؤوليّته
العائليّة.
*من كتاب "تأمّلات إسلاميَّة حول المرأة".