حاول الإسلام ـــ في الدَّعوة إلى تحصيل القوَّة ـــ أن يوحي للإنسان بالقناعة النفسيَّة، والابتعاد عن الشعور بالطمع الذي يجعل الإنسان مشدوداً إلى الإحساس بالحاجة إلى الآخرين، والشعور بالانسحاق أمام رغباتهم الَّتي لا تقف عند حدّ، فتقع نفسه صريعة تحت نير العبوديَّة للآخرين.
فكان الإحساس الذاتي بالقناعة تعبيراً عن الاكتفاء النفسيّ، بما تتّسع له طاقاته وإمكاناته فيما يحب وفيما يريد، الأمر الّذي يجعله يفقد الإحساس بالجوع إزاء أيّ رغبة لا يملك أمر تحقيقها، أو أيّ حاجة لا يملك أمر قضائها، وبذلك يفقد الشّعور بالحاجة المسحوقة للآخرين إزاء الشعور بالغنى أمامهم، فلا يعود للخوف من الآخرين أيُّ معنى، فيما يخالفهم فيه، أو يبتعد به عنهم؛ لأنّ الخوف خاضع للرغبة التي يخشى فواتها في تلك الحالات، فإذا فقدت الرغبة، ذهب الإحساس بالخطر.
وقد صوَّرت النصوص الدينيَّة هذا المعنى أبلغ تصوير، ففي حديث الإمام عليّ (ع) في كلماته القصار:
1 ـــ الطمع رقٌّ مؤبَّد(1).
2 ـــ الطَّامع في وثاق الذلّ(2).
3 ـــ كفى بالقناعة ملكاً(3).
4 ـــ الغنى الأكبر اليأس عمّا في أيدي النَّاس(4).
وفي حديث الإمام أبي جعفر محمَّد بن عليّ الباقر، الإمام الخامس من أئمَّة أهل البيت (ع): "بئس العبد عبدٌ له طمعٌ يقوده، وبئس العبد عبدٌ له رغبةٌ تذلّه"(5).
وفي حديث الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصَّادق، الإمام السادس من أئمَّة أهل البيت (ع): "ما أقبح بالمؤمن أن تكون له رغبة تذلّه!"(6).
إنَّ كلَّ هذه الكلمات تلتقي على الفكرة الَّتي تعتبر الطَّمع ذلًّا وضعفاً ورقّاً وفقراً، تفقد الإنسان الثقة بنفسه وبقوّته الذاتيَّة، بينما يعتبر القناعة ملكاً، يملك فيه الإنسان نفسه، ويملك فيه الموقف الحرّ القويّ المتحرّك إزاء الآخرين، ولهذا كانت دعوة الإسلام إلى رفض الطَّمع، للوصول إلى رفض الخوف المدمِّر الحاصل منه.
* من كتاب "الإسلام ومنطق القوّة".
[1]نهج البلاغة، ص501.
[2]المصدر السابق، ص508.
[3]المصدر السابق.
[4]المصدر السابق، ص534.
[5]وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج6، ص321.
[6]المصدر السابق.