[جاء في دعاء "مكارم الأخلاق" للإمام زين العابدين (ع):]
"اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِه، وأَلْبِسْني زينَةَ الْمُتَّقِينَ... في ضَمٍّ أَهْلِ الْفُرْقَةِ، وَإصْلاَحِ ذَاتِ الْبَيْنِ".
يا ربّ، وفّقني للدّخول بين النّاس الذين فرّقتهم المشاكل، وباعدت بينهم الخلافات، وفصلت بين مواقعهم ومواقفهم الفتن، هؤلاء الذي يتفرّقون لأنّهم لم يلتفتوا إلى ما يجمعهم، ويتمزّقون لأنّهم لم ينفتحوا على ما يوحِّدهم، حتّى أؤلّف بين قلوبهم من خلال كلماتك، لتجتمع على المحبّة في حبّك، ولتتواصل على الأفكار المتقاربة في رسالتك، وليتحوّل البغض إلى حبّ، والعداوة إلى صداقة، استلهاماً لوحيك في قولك _ سبحانك _ في خطابك لنبيّك: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}(الأنفال/ 63). وفي ضوء ذلك، فإنّنا نعمل على التّأليف بين أرباب القلوب المتنافرة، وضمّ أهل الفرقة والمواقف المتباعدة، على هدى وحيك، وفي نور هداك.
اللّهمّ اجعلني ممن يستجيب لأمرك في قولك - سبحانك -: {فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ}(الأنفال/ 1)، وقولك: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}(الحجرات/10)، وقولك - تباركت وتعاليت -: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِ
نِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَ}(الحجرات/ 9). فقد أردت للحياة أن تعيش في أجواء السّلام القائم على إرادة المتنازعين بالوصول إلى الحلّ الوسط، من خلال القرار الذّاتي أو الوساطة الخيّرة من بعض النّاس الخيّرين، وأردت للإنسان المؤمن أن يحمل رسالة الإصلاح بين النّاس، لأنَّ إبقاء الأمور في خطّ التوتّر النفسي والتشنّج العصبي، يزيد القضايا سوءاً، ويعقّد الأوضاع الاجتماعيّة، ويؤدّي بها إلى المستوى الّذي تُزهق فيه الأرواح، وتُدمَّر فيه العلاقات، وتخرب به المصالح العامّة والخاصّة، ما يجعل من المسألة مسألةً تتّصل بالسّلامة الشّاملة للمجتمع كلّه، وبالانفتاح الإنساني على الله في أوامره ونواهيه، بحيث يختلّ بذلك نظام العلاقات بما يجرّ إلى التّحاقد والتّباغض والمشاحنات القاسية والمنازعات القاتلة، ويدفع النّاس إلى نسيان الله، والانتقال بذلك عن واجباتهم العباديّة ومسؤوليّاتهم الحيويّة.
ولهذا، جاء الحديث عن رسولك (ص)، في ما ألهمته من وحيك أنّه قال: "إصلاح ذات البين أفضل من عامّة الصّلاة والصّوم" ، والكلمة المأثورة عن الإمام جعفر الصّادق (ع): "صدقةٌ يحبّها الله: إصلاحُ بين النّاس إذا تفاسدوا، وتقارب بينهم إذا تباعدوا" .
وقال - في ما روي عنه - في تفسير قوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ}(البقرة/ 224)، "إذا دعيت لصلحٍ بين اثنين، فلا تقل عليّ يمين ألّا أفعل" .
إنّك - يا ربّ - ربُّ السّلام، ولذلك، أردت أن يكون الصّلح الذي هو الطريق الأمثل إلى السّلام، أفضل من عامّة الصّلاة والصّيام، فاعتبرته عبادةً تسمو على العبادات في مدلولها الإيحائيّ ونتائجها الإيجابيّة، ويتقرّب به المتقرّبون إليك، لأنّ الحياة التي تعيش في نطاق السّلام المنفتح على محبّتك، سوف تكون حياةً روحيّةً يعيش فيها النّاس الجوّ الذي يتعارفون فيه على أساس الإيمان والتقرّب إليك.
اللّهمّ وفّقني لأن أجعل الإصلاح بين الناس رسالتي الشّاملة في الحياة، وصدقتي التي أتقرّب بها إليك في كلّ يوم، وعملي الصّالح الذي لا أبتعد عنه ولا أمتنع منه، مهما كلّفني ذلك من جهود ومتاعب.
* من كتاب "في رحاب مكارم الأخلاق".