كشفت دراسة صادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، عن صورة قاتمة لجودة قطاع التعليم في دول عربيّة عدّة.
شملت الدراسة تقييماً لأوضاع التّعليم في 76 دولة عبر العالم، من بينها 9 دول عربيّة، وذلك استناداً إلى النتائج المحرزة في الرياضايات والعلوم. وتتصدّر القائمة خمسُ دول آسيويّة، هي سنغافورة، وهونغ كونغ، وكوريا الجنوبية، واليابان، وتايوان. وصنّفت الدراسة بريطانيا في المرتبة العشرين من حيث جودة التّعليم، واحتلت الولايات المتحدة المرتبة الثامنة والعشرين.
وضمن 76 دولة، وهي ثلث عدد دول المعمورة المشمولة بالدّراسة، تصدّرت دولة الإمارات القائمة العربيّة، وجاءت في المرتبة (45) على الجدول العام، فالبحرين في المرتبة (57)، ثم لبنان (58)، فالأردن (61)، وتونس (64)، والسعودية (66)، وقطر (68). وجاء قرب ذيل القائمة الدّوليّة كلّ من سلطنة عمان في المرتبة (72)، والمغرب (73).
ولاحظت الدّراسة أنّ قطاع التعليم يعيش أزمةً حقيقيّةً في جلّ الدّول العربيّة، وخصوصاً الفقيرة منها، وأرجعت السّبب في ذلك إلى الميزانيّات المحدودة الّتي تخصّصها الحكومات لقطاع التّعليم، وغياب الفلسفة التعليميّة والاستراتيجيّة الواضحة، وضعف الهيكل التّنظيميّ والبنى التحتيّة والتجهيزات المدرسيّة، وتخلّف مستوى المناهج المدرسيّة، واعتمادها بشكلٍ كبيرٍ على حفظ المعلومات وتلقينها للتّلميذ عن ظهر قلب، دون تحليلها أو فهمها، وغياب الموادّ الّتي تنمّي الحسّ النّقدي لديه، وتمكّنه من أسلوب تفكير وتحليل منطقيّ.
ونبّهت الدّراسة الى أنّه ما دامت الجودة ضعيفةً في المدارس العربيّة التّابعة للقطاع العامّ، فإنّ قدرات هذه الدّول على تحقيق نسب كبيرة للنموّ الاقتصاديّ والرفع من ناتجها الدّاخليّ الخام ستظلّ محدودة.
وكانت منظَّمة الأمم المتَّحدة للتربية والعلوم والثّقافة (اليونسكو)، قد أصدرت تقريراً مشابهاً مطلع العام الجاري، أشارت فيه أيضاً إلى تدنّي جودة التّعليم عبر دول العالم العربي، وطالبت بضرورة تغيير أنظمة التَّعليم القائمة. وسجَّل التّقرير أنَّ هذه الدّول لم تنجح بعد في تعميم التَّعليم الابتدائي الّذي استقرَّت نسبته في العام 2011 في حدود 88%.
كما حذَّرت منظَّمة الأمم المتحدة للطّفولة (يونيسيف)، من أنَّ 12 مليون طفل في الشَّرق الأوسط محرومون من التَّعليم بسبب الفقر والتّمييز الجنسي والعنف، علماً أنَّ هذه الحصيلة لا تشمل الأطفال الّذين أجبروا على ترك المؤسّسات التعليميّة بسبب الحروب في كلّ من العراق وسوريا واليمن وليبيا، والّذين يزيد عددهم عن ثلاثة ملايين طفل.
وتعليق..
التّعليم ونظمه وأساليبه وجودته من الأمور الّتي لا بدّ من التركيز عليها والوقوف عندها، ومراجعة نقاط الضّعف فيها، من أجل إعادة تأهيلها وتصحيح أوضاعها بما يتوافق مع حاجات الطلاّب، وبما ينسجم مع مسيرة التقدّم العلمي والثّقافي على المستوى العالميّ. هذا وإنَّ غياب التّخطيط والاستراتيجيّة الموحَّدة بالنّسبة إلى وضع نظم تربويّة وتعليمية عصرية ومواكبة لحاجات الواقع وظروفه ومتطلّباته، يجعل مستقبل كثير من الطلاب مهتزّاً وغير متوازن، وينعكس سلباً على الحياة العامّة ككلّ. فالمجتمع المتطوّر تربويّاً وتعليميّاً، هو المجمتع الأقوى والأنجح في كلّ المجالات. من هنا أهميّة تضافر الجهود الرسميّة والمدنيّة، بغية العمل على إيجاد سياسة تربويّة فاعلة، تعيد تحفيز النَّشاط التربوي والتَّعليمي بشكلٍ يؤثّر إيجاباً في الواقع الّذي يضجّ بكثيرٍ من المشاكل والتّعقيدات.
وعن النّظام التربويّ في الإسلام وخطوطه العامّة، يقول سماحة المرجع السيّد فضل الله(رض):
"لا نجد في النّصوص الإسلاميّة حديثاً مفصَّلاً عن النظام التربويّ وعن المدرسة، بل يوجد فيها أحاديث متفرّقة عن المعلّم والعلم، وضرورته وقيمته، مما يمكّننا من رسم بعض الخطوط العامّة للنظام التربويّ الإسلاميّ المرغوب.
فالإسلام يعتبر العلم قيمةً، بحيث يميّز الواجد لهذه القيمة عن غيره، في القرآن الكريم يقول تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[الزّمر: 9] أو {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً}[طه: 114]، وكذلك يعتبر القرآن مشكلة الكفر مشكلة جهل.
وتؤكّد الأحاديث ضرورة التعلّم في الصّغر، باعتبار أنه كالنقش في الحجر، وأنّ التعلم في الكبر كالنّقش على الماء، وما إلى هنالك من أحاديث تؤكِّد ضرورة الاهتمام بالعلم. لكن الإسلام يترك قضيّة وضع النظام التربوي، كمفردات تفصيليّة، لجهة أسلوب التعليم ومناهج التعلّم وما إلى ذلك، يتركه للإنسان، باعتبار أنّ هذه الأمور تختلف من شعب، إلى شعب ومن زمن إلى زمن. لذلك، لم يضع له أيّ تشريع تفصيليّ، بل ترك أمر اكتشافه لخبرات الإنسان ذاته. ولكن القاعدة الأساس في هذا النظام، هي إعلاء قيمة العلم أوّلاً، وتنظيم العلاقة بين العالِم والمتعلّم، والّتي يجب أن تقوم على الاحترام الشّديد.
ـ تحتاج عمليّة التّخطيط التربوي لتطوّر ثقافيّ عامّ، لأنّ العلوم تدعم بعضها بعضاً، ويفتح بعضها أمام البعض آفاقاً جديدة، وهو أمر غير متوافر اليوم، بينما كان تطوّر النظريّات التربويّة قد انطلق من التطوّر الثقافي العامّ الّذي عاشه الإسلام خلال المرحلة الّتي عاشها سواء في المشرق أو في المغرب.
إنّ الإسلام قدّم لنا الخطّ العام الذي يفترض أن نستهدي به للوصول إلى أسلوب تربويّ يتّفق مع ذهنيَّة الطفل ومع تطوّر الوسائل والمناهج الموجودة، لننتقل من التّلقين السّاذج، إلى الانفتاح بعقل الطّفل على الإبداع.
ـ في مناهج التربية وأساليبها ووسائلها وحقولها، لا عقدة لنا من الأخذ عن الآخرين، الإسلام يؤمن بالتّفاعل الحضاريّ الّذي لا يتنافى مع القاعدة الّتي ينطلق منها كدين. علينا أن ندرس ما يقدّم الغرب من وسائل وتقنيّات تعليميّة، ونأخذ ما يتناسب معنا، ويخدم أهدافنا التعليميّة.
ـ عندما ندرس النّصوص، نجد أنّ المقصود منها العلم كلّه، فالقرآن عندما يقول: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، أو {وقلْ ربِّ زدْني علماً}، لا يفرّق بين علم وعلم. وكذلك بالنّسبة إلى ما ورد عن أمير المؤمنين(ع): "قيمة كلِّ امرىءٍ ما يحسنه"، "اُطلبْ العلم ولو في الصّين"... فهو لم يُرد منها علم الأديان، وقد ورد في بعض الأحاديث المأثورة: "العلم علمان؛ علم الأديان، وعلم الأبدان".
وعندما ندرس القرآن، نجد أنّ الله يحثّنا على التّفكير في خلق السّموات والأرض، والتّفكير في خلق الإنسان.
إنّ علوم الطبيعة والحيوان والنبات، هي وسائل لتحصيل المعرفة بالله، ما يعني أنّ الإنسان لا بدّ من أن يعرف الكون في كلّ ظواهره وموجوداته، ليعرف علم الدّين في هذا المقام، لأنّ الإنسان يعرف الله من خلال التّفكير والعقل، لهذا فإنّ المراد بالعلم في هذه الأحاديث، هو علم الحياة بكلّ أبعاده. غاية ما هناك، أنّ الإسلام يؤكّد على العلم النافع للناس الّذي يمكن أن ينتج شيئاً للإنسان، لا العلم التّجريديّ الّذي يحشو ذهن الإنسان بالمعلومات، دون أن يعطيه أيّة نتيجة عقليّة تتّصل بوجوده في هذه الحياة وبحركته فيها.
ـ إنّ الحثّ على اكتساب العلم، لا يعني حشو ذهن الطّفل بالمعلومات، ليردّدها آليّاً دون أن تتحوّل إلى مظاهر سلوكيّة، أو تدفع إلى ابتكارات إبداعيّة، بل يعني أمرين: 1 ـ تنمية قدراته العقليّة كي يصبح مؤهَّلاً ليثقّف نفسه ويكتشف الحقائق بجهده. 2 ـ تزويده بالمعارف المناسبة التي تكون حركةً في تنمية عقله. ومن الطبيعيّ أنّ تنمية العقل تتأكّد في تقوية الإدراك وتفعيل الطاقة الذهنيّة، بحيث تصبح المعلومات المعطاة للطّفل جزءاً من شخصيّته، لا مجرّد كتبٍ يشكّل عقل الطّفل وعاءً لها.
إنّ تعليم الطّفل يعني أن تؤصّل المعلومات داخل شخصيّته ليفهمها ويقتنع بها وينتج منها شيئاً جديداً، بحيث توسّع مداركه، وتنمّي حسّه الدّاخليّ. إنّ قيمة العلم هي بمقدار ما يتحوّل إلى حركةٍ في عقل الإنسان وقلبه وحياته.
وهنا نؤكّد شيئاً أساسيّاً، وهو أنّ العلم في الإسلام يتحرّك في خطّين؛ خطّ التأمّل، وخطّ التجربة.
وقد كان خطّ التأمّل الوسيلة الأساس للمعرفة، وجاء الإسلام ليؤكّد التجربة كمصدرٍ أساسٍ ثانٍ للمعرفة، وهذا ما نلاحظه في توجيه القرآن الكريم بالآيات: { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}[الحشر: 2]... {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا}[الملك: 15]...".[كتاب دنيا الطّفل، ص 125- 129].