خبر..
حظرت شبكة قطارات الأنفاق في واشنطن جميع الإعلانات التي تحمل في طيّاتها "قضايا حسّاسة"، بعدما طلب منها وضع ملصقاتٍ لرسم كاريكاتيريّ مسيء للنبيّ محمد.
ووافق على هذا الحظر مجلس إدارة منطقة متروبوليتان (واشنطن)، والّتي منعت بدورها جميع الإعلانات السياسيّة والدينيّة وتلك المثيرة للجدل، حتى نهاية العام الجاري، بحسب المتحدّث باسم الشّبكة.
وكانت جماعة "مبادرة الدّفاع عن الحريّة الأمريكيّة" تقدّمت بطلبٍ إلى هيئة النقل في واشنطن لوضع ملصقاتٍ للرّسم الكرتونيّ - اعتبر مسيئاً للنبيّ الكريم- الفائز بالجائزة الأولى في معرض في تكساس الشّهر الجاري.
وينادي هذا الملصق بحشد جميع الأصوات المطالبة بحريّة التّعبير، كما أنّه يصوّر النبيّ محمداً وهو ملتح ويرتدي عمامة، وملوّحاً بسيفه قائلاً: "لا يمكنك رسمي".
ووصفت باميلا غيللبر، مؤسّسة جماعة "مبادرة الدّفاع عن الحريّة الأمريكيّة" الرسم الكرتونيّ، بأنه "قرار سياسيّ"، مؤكِّدة أنَّ الرّسم الكرتونيّ لا يحمل أيّ إساءة للإسلام، وأنّه لا يوجد شيء في هذا الرّسم يحضّ على العنف".
وفاز الرّسم يوم الثالث من مايو/ أيّار بالجائزة الأولى في معرض "رسم محمّد" الّذي نظّمته المبادرة.
وتعليق..
هذا القرار لحظر نشر الرّسوم المسيئة إلى النبيّ والإسلام، لا بدّ من تأكيده والعمل للالتزام به في وجه الأصوات والدّعوات غير المسؤولة الّتي تثير بين الحين والآخر الفتن والعصبيّات، وتعبّر عن خلفياتٍ هي في ظاهرها تدّعي حريّة التّعبير، لكنّها تسيء إلى الواقع ككلّ، وإلى أجواء التّسامح والتّواصل والانفتاح ، فحريّة التّعبير لا تعني التعرّض للرّموز الدينيّة والتطاول عليها، وهو ما يفتح المجال أمام المتهوّرين للتعدّي على الأديان ورموزها تحت ذريعة حرية التّعبير. والأجدى بالجميع لو تعرّفوا إلى سيرة الرّسول ومواقفه ودعوته وعطاءاته، بحيث كان الرّحمة المهداة للعالمين جميعاً، يفتح القلوب والعقول على الخير والفلاح. فالواقع الإنسانيّ بحاجةٍ إلى كلّ الطاقات والأصوات والدّعوات الّتي تجمع النّفوس على كلّ ما يقرّبها ويوحّدها ويبعد عنها كلّ عصبيّة وجهل. وقد كان الرّسول(ص)، كما كلّ الأنبياء والرّسل، صوتاً للعقل والحكمة والموعظة الحسنة، فكم يحتاج العالم إلى التأسّي بالرّسول والأنبياء جميعاً؟!
وعن الرّسول(ص) ورسالته، يقول سماحة المرجع السيّد فضل الله(رض):
"{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، لأنّك جئتهم بالرّسالة الّتي تنفتح عليهم في كلّ أمورهم، لتقودهم إلى الصّراط المستقيم في الدّنيا، وإلى النّعيم الخالد في الآخرة، وتثير فيهم كلّ نوازع الخير، وتبتعد بهم عن نوازع الشّرّ، وتركّز العلاقات فيما بينهم على أسسٍ ثابتةٍ من القيم والمبادئ، فلا تهتزّ ولا تنحرف ولا تسقط بفعل المطامع والأهواء والشّهوات، وتوحي إليهم بالسّلام الرّوحيّ الّذي يطوف بهم في كلّ آفاق الصّفاء والنّقاء والإشعاع والإيمان والهدوء النفسيّ القائم على الخير والعدل والحياة.
أمّا رحمته في شخصه، فقد كان يمثّل الخلق العظيم الّذي ينساب في قلب كلّ من حوله حبّاً وعاطفةً وروحاً وخيراً وسلاماً... وهكذا اجتمعت فيه رحمة الرّسول، ورحمة الرّسالة في الفكر والحركة والإنسان والحياة.
وهذا هو ما يجب أن يعيشه المسلمون في دعوتهم إلى الإسلام، وفي ممارستهم له، وفي حركتهم من أجله، وذلك بتجسيد الرّحمة في مواقفهم وكلماتهم وعلاقاتهم وروحيّتهم في كلّ المجالات، لا أن تكون الرّحمة حركة انفعال، بل أن تكون موقف حقّ وخير واستقامة وإيمان، لأنّ الرحمة تمثّل العمق في شخصيّة الإنسان الفكريّة والعمليّة، فتتفاعل في كلّ دوائره الصّغيرة أو الكبيرة، ليكون القدوة في الرّحمة، والرّحمة في القدوة، {قُلْ إِنَّمَآ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ}، فهو الّذي وحَّد الحياة في ربوبيّته، وفي خلقه، وهو الّذي يريد للنّاس أن يتوحّدوا في عبادته، وفي شريعته، وفي منهجه في حركة الحياة، لأنّه يريد للبداية أن تحكم النّهاية، كما تحكم الخطّ الّذي يربط بينهما، فلا يريد الانحراف والالتواء والابتعاد عن الاستقامة في الخطّ الّذي هو المظهر الحقيقيّ للوحدة.
قل لهم ـ يا محمد ـ هذا الوحي التّوحيدي، ليقبلوا عليه، وليسيروا في خطّه، وليؤمنوا بنهجه، وليجعلوه قمّة الوعي العقيدي والشّعوري والعمليّ في حياتهم كلّها". [المصدر تفسير من وحي القرآن، ج 15، ص277].
وفي موضع آخر، يقول سماحته: "{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، أي قدوة حسنة، في ما يأخذ به أو يدعه من الأفعال والمواقف، لأنّه الإنسان الّذي تتمثّل فيه الصّفات المثلى للكمال الإنسانيّ، فقد ربّاه الله التربية الفضلى، وأدَّبه الأدب العظيم، وصاغ شخصيّته أفضل صياغة. وبهذا كان التّجسيد الحيّ للإسلام في كلّ ملامح ذاته في الجانب الدّاخليّ منها، في ما يحمله في فكره وقلبه وشعوره من طهر الفكرة، ونقاء القلب، وصدق الشّعور، وإخلاص النيَّة، وفي الجانب الخارجيّ منها، من الإخلاص لله، والعمل بطاعته، والجهاد في سبيله، والإحسان إلى النّاس، والصّدق في الدعوة، والصّبر على آلامها، والانفتاح على الحياة كلّها من موقع الرّسالة الباحثة عن الخير في كلّ صعيد، وعن الحقّ في كلّ أفق، وعن العدل في كلّ مجتمع، لتؤكّد القيم الأخلاقيّة الإنسانيّة الرّوحيّة من خلال المعاناة، وليكون رضاه في ما يرضاه الله، وسخطه في ما لا يرضيه، ما جعل عمله سنّةً وشريعةً، كما كان قوله مصدراً لذلك". [تفسير من وحي القرآن، ج 18، ص 283].